بَينَ الأُمورِ وأَضدادِها

كناية عن التناقضات صورة لشارتين اتجاه خشبية متنافرة

الحياة سلسلة طويلة من الهزائم والغنائم، نجاح وفشل، خطأ وصواب.

وعلى الرغم من أننا نسعى كل سعيٍ دؤوب لتحقيق النجاح في كل ميدان، إلا إننا لا ننجح دائماً في كل مساعينا، ولا بد أن نتجرع الخسارة بين فينةٍ وأخرى.

هل فكرت يوماً ما السبب في أننا لا نستطيع فعل الصواب دائماً؟

ولماذا لا ننجح دائماً رغم حرصنا على تنفيذ ما نقوم به وفق خططٍ مدروسةٍ وبمنطقٍ صرف؟

لماذا لا ننجح أحياناً رغم اتباعنا للطرق نفسها التي اتبعها الناجحون؟

وللإجابة على هذه التساؤلات لا بد لنا من تحليل النجاح والفشل أولاً.

النجاح والفشل هما على الأغلب ما يقرره المجتمع وما تفرضه البيئة من معرّفات للفشل والنجاح.

يمكن أيضاً تعريف النجاح بأنه تحقيق للأهداف، وعلى النقيض فإن الفشل هو عدم النجاح في تحقيقها.

معظمنا يتبنى الأهداف التي يجمع عليها ويقررها المجتمع فتصبح معاييراً ومعرّفات لفشله الشخصي أو نجاحه، وينسى بذلك تميز وفرادة أهدافه المستمدة من فرادته وتميزه كإنسان ذا وعي فردي وكيان مستقلين عن كينونة المجتمع ووعيه الجمعي.

ولكن لو تعمقنا قليلاً في هذا المعنى فنجد أن الأهداف لا تصلح دائماً كمعرفات للنجاح والفشل، لأنها نسبية ومتغيرة من شخص لآخر، أو على الأقل هكذا يجب أن تكون.

إن نجاح شخص ما في مجال ما وفق ظروف معينة لا يعني أبداً نجاح الجميع في نفس المجال ووفق الظروف عينها، ومن الخطأ تماماً أن يتقمص الفرد تجربة أحدهم بكاملها، والأخطر هو تبنيه لتوقعاتٍ راسخةٍ حول نتائج هذا التقمص وبالتالي يفاجأ عندما لا تسير الأمور وفق التوقعات أو التصورات التي وضعها بناءً على التجربة المتبناة.

ما الحل إذاً ؟

من الضروري أولاً أن يتعرف الإنسان على حقيقته، الجوهر الذي لا يمكن إخفاء لمعانه، والذي يتجلى في الرسالة الحقيقية لكل منا.

كل منا له توليفة خاصة من صفات وسمات شخصية مميزة ينفرد بها عن غيره، وهذه الصفات هي التي تشكل جوهر الإنسان ورسالته الحقيقية المطلوب منه أداؤها في هذه الحياة.

إن التعرف على هذه السمات يتطلب مراجعة شاملة لأنماط التفكير والمحفزات للمشاعر المختلفة، بمعنى آخر أن نتعرف على الأنماط المختلفة التي تجري بها الحوارات الداخلية التي نخوضها مع ذواتنا، وأن نفهم الدافع الحقيقي وراء شعورنا بالمشاعر المختلفة مثل الحلم والغضب، والرضى والسخط، والسعادة والألم.

لا بد من تقبل وجود هذه النقائض في حياتنا، وأنها ستظهر حتماً طوال الوقت، حيث أن دوام الحال من المحال وحيث أن هذه التقلبات تجري كما الحياة، فتارة نذوق حلاوتها وتارة نتجرّع مرارتها.

التغيير هو الثابت الوحيد في هذه الحياة، وهو ما يعطي الحياة لذّة خاصةً ومعنىً، وما لم يتقبل الإنسان هذه التناقضات ويعيشها كما هي ويفتح قلبه على جميع هذه الإحتمالات فإنه يكون عرضة للتردي في دوامة الألم أكثر فأكثر، فلا يتيح لنفسه ركوب موجات المشاعر السلبية التي ترتقي به إلى التمكين والريادة.

من الضروري أيضاً أن يتعرف الإنسان على نفسه من جديد، ويحدد معاييرها وسماتها، ومن هنا يتمكن من تحديد جوهره وبالتالي يتعرف على رسالته الحقيقية المطلوب أداؤها.

إن تعرف الإنسان على سماته الحقيقية وحقيقة فرادته وتميزه يمكّنه أيضاً من تعريف أهدافه كخطوة أولى لتعريف النجاح والفشل على المستوى الشخصي.

إن التعرف على أهدافنا الحقيقية يقع ضمن إطار الرسالة الحقيقية التي ما إن نشرع بأداءها حتى نجد أن جميع ما حولنا يسير باتجاه تحقيق هذه الرسالة وبالتالي تحقيق أهدافنا.

إن انتشار اليأس والإحباط في هذا العصر هو ناتج في الغالب عن بعد الإنسان عن محاذاة أسلوب معيشته مع جوهر ذاته، إن العولمة ساهمت كثيراً في إعطاء مفهوم مشوّهٍ عن النجاح حيث حصرته بنجاح فئة محددة من القادة والمؤثرين وتركت الإنسان مشتّتاً غافلاً عن مساره الخاص في الحياة الذي يمكنه من تحقيق النجاح.

في النهاية، لا بد من الإقرار أن الرسالة الحقيقية تنبثق من رحم التناقضات، وأن الحكمة دائماً ما تنبع من التجارب المختلفة إذا ما خضناها بتجرًد وبدون إطلاق للأحكام وبحيث نؤدي دور الوعي المراقب الذي لا يتأثر بما يحدث ويكتفي بالمراقبة واستخلاص الدروس والعبر التي تساهم في تمكين الذات.

أضف تعليق

إنشاء موقع إلكتروني أو مدونة على ووردبريس.كوم

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ